إسمنت فلسطين... هل سينجح الفلسطينيون بالصناعات الاستراتيجية؟
تم النشربتاريخ : 2016-11-06
في بيت لحم تبرز معالم مصنع "إسمنت فلسطين" أكبر مشروع اقتصادي فلسطيني يشرف عليه صندوق الاستثمار الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير.
وعلى مدار أكثر من 20 عاما تلت قدوم السلطة الفلسطينية، لم تنجح الجهود فعليا في إقامة هذا المصنع الذي يعتبر من أولويات الجهد الاقتصادي، حيث كانت إسرائيل قد أنشأت مصنع "نيشر" للإسمنت قبل 20 عاما من إعلان إنشاء إسرائيل، ويزود هذا المصنع حاليا الضفة الغربية وقطاع غزّة بنحو (95%) من حاجتهما من الإسمنت.
وتتراوح الكلفة التشغيلية لمصنع "إسمنت فلسطين" نحو 300 مليون دولار، فيما يعتبر اقتصاديون إنشاءه في ظلّ معادلة السيطرة الإسرائيلية على الأرض نوعاً من المجازفة والحاجة لإيصال المواد الخام للمصنع عبر المعابر الإسرائيلية من جهة، ومحاولة الفلسطينيين الاستغناء عن المصنع الإسرائيلي والتوجّه نحو السيادية من جهة أخرى.
فاتورة هائلة ...
ويقول مدير شركة "سند" المشرفة على المشروع م. سعيد دويكات، إنّ السوق الفلسطيني يستهلك نحو (3 ملايين) طن أسمنت سنويا ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لافتا إلى أنّ شركة "سند" تعمل على توفير الكمية من إسرائيل والأردن وتركيا بفاتورة لا تقلّ عن (300 مليون) دولار.
ويوضح أن "أكبر كميات الاسمنت نستوردها من شركة "نيشر" الإسرائيلية، ونواجه الكثير من الإشكاليات في النقل عبر المعابر".
ويبين دويكات أنّ المحاولات الفعلية من جانب الشركة جارية منذ نحو (3 سنوات) لإنشاء هذا المصنع، وأجرينا دراسات عبر شركات دولية، واكتشفنا عدّة مناطق تتوفر بها التربة اللازمة لهذه الصناعة، واخترنا مساحة (3 آلاف) دونم في أراض شرق محافظة بيت لحم.
ويكشف عن أنّ المصنع سيبدأ العمل على مرحلتين، الأولى تتمثل بالطحن ويجري إنشاء محطة لهذا الغرض يستغرق إنجازها نحو (18 شهرا)، لافتًا إلى الحاجة لاستيراد المواد الخام من الأردن وتركيا وطحنها فيما تشتمل المرحلة التالية على تحويل المواد الخام إلى مواد جاهزة للاستعمال وتعبئتها.
ويشير إلى أنّ المصنع من المتوقع أن يستوعب نحو 500 فرصة عمل بشكل مباشر وما بين (1500-2000 فرصة) بشكل غير مباشر، مبينًا أنّ المصنع سيعزز القدرة على توفير مادة الاسمنت على مدار العام دون انقطاع أو أزمات ويقلل الحاجة للاستيراد من الخارج.
اهداف كبيرة ....
ويكشف دويكات عن أهداف كبيرة للمشروع يستهدف أهمها "تحرير" الاقتصاد الفلسطيني من التبعية الإسرائيلية وخلق فرص عمل، والعمل على توطين مادّة الإسمنت، والاستغناء عن الحاجة للاستيراد والعمل على إبقاء هذه المبالغ في السوق الفلسطيني لما له من آثار كبيرة وهامة على الاقتصاد الوطني.
مستلزم للاستقلال ....
أمّا الخبير في شؤون المشاريع والتخطيط م. عبد الله الشعراوي ، فيرى أنّ من مستلزمات الاستقلال الاقتصادي إيجاد البنية التحتية وعلى رأسها الصناعات الثقيلة، مشيرًا إلى أنّ الاقتصاد الفلسطيني يفتقد كليًا للصناعات الثقيلة على شاكلة صناعات الحديد والصلب وصناعات توليد الكهرباء وهي الركائز الأساسية التي يقوم عليها أي اقتصاد.
ويبين أنّ الاقتصاد الفلسطيني مبني على صناعات تحويلية وصناعات خفيفة وعلى قطاع الخدمات والقطاع المصرفي وهي القطاعات المساهمة حاليًا في الناتج المحلي.
ويكشف الشعراوي عن تراجع إسهام الزراعة والصناعة في الناتج المحلي خلال الأعوام الماضية، وفي ذات الوقت حافظ قطاع الانشاءات على نموه، وعماده مادة الإسمنت الأمر الذي يجعل الحاجة ملحة من وجهة نظره لإنشاء هذا المصنع في أقرب وقت ممكن.
وحسب متابعته فإنّ التقارير الدولية أشارت إلى أنّ مبلغ (5.4 مليار دولار) الذي رصده مؤتمر المانحين لاعمار غزّة سيعود نحو 45% منه على الاقتصاد الإسرائيلي من خلال شركات الاسمنت وغيرها، وهو عامل آخر يراه الشعراوي هام في سبيل الحاجة لإنشاء مصنع فلسطيني يعود ريعه على الفلسطينيين وعلى اقتصادهم، ناهيك عن الارتفاع في الاستيراد للاسمنت بنسبة 25% ما بين العامين (2014) و(2015).
الاحتلال سيسمح ..؟
أما المحاضر بكلية الاقتصاد في جامعة الخليل مجدي الجعبري ، فيشير إلى أنّ الأرض هي أكبر اقتصاد للشعب الفلسطيني، ومن ثمّ الصناعات، معتقدًا بأنّ إنشاء المصنع هو بادرة "طيبة" في تعزيز الاقتصاد الوطني.
لكنّ الجعبري يتساءل :" هل سيسمح الاحتلال بعمل هذا المصنع بسلاسة ودون معيقات ؟ "، مشيرًا إلى أن منح الترخيص لا يعني أن تغيب المعيقات.
ويشير إلى أنّ الواقع الأمني الحالي في الضفة الغربية يشكل عبئًا حقيقيًا على الاقتصاد حتّى في المناطق المصنّفة (أ) وفق اتفاقية أوسلو، معبرًا عن اعتقاده بأنّ لا يسمح الاحتلال بتحقيق الانجاز المرجو والطموح الكامل الذي يريده الفلسطينيون.
ويرى أنّ أكبر معيق يواجه الصناعات الاستراتيجية الفلسطينية كون معظم الموارد الطبيعية المؤهلة للعمل الصناعي موجودة في المناطق المصنفة (ج) الخاضعة لسيطرة الاحتلال.
ويعتقد أنّ نجاح هذا المشروع يتمثل في البدء باستغلال الموارد الموجودة في مناطق (ج)، باعتبارها حقّا خالصا للفلسطينيين، وإن اعتراها الكثير من المجازفة حسب وجهة نظره، لكنه يرى أنّها خطوة لا بدّ منها، من أجل إنجاح هذا الجهد الضروري.